نظرية كل شيء

بقلم: لينة ناصر

أريد أن أعرف بم يفكر الرب، أما الباقي فهي مجرد تفاصيل 

– ألبرت أينشتين

إن الفيزياء التي نناقشها هنا ليست كباقي الفيزياء التي ندرسها في الجامعات، أو التي يعمل بها أغلب الباحثون… إنها أقرب للفن، أقرب للفلسفة… تعيش في كون مختلف عن باقي الفيزياء.. لأنها “فيزياء الرب” … لم تسمى كذلك لأنها تدرس الثيولوجيا أو الأديان… بل لأنها تدرس أسس الفيزياء، إنها: “نظرية كل شيء”..

newton110

بدأ الأمر بسقوط تفاحة على رأس نيوتن، القصة الشهيرة، بداية التوحيد … حيث وحد نيوتن بين ما يحرك ما على الأرض أو ما في السماء… توحد الأرض مع السماء بنظرية قوى موحدة …

وقصة العالم الشغوف فاراداي، و جيمس كلارك ماكسويل الذان وحدا القوتين المحيرتين ” الكهربائية” و “المغناطيسية”. حيث صاغ ماكسويل النظرية الكهرومغناطيسية في معادلات غاية في الأناقة و الجمال. لم ينتهي التوحيد بعد! فقد وضع ألبرت أينشتين النسبية الخاصة في 1905، و التي كانت خطوة كبيرة في توسيع فهمنا للكون، حيث لم يبت الزمان و المكان أمرين مختلفين سوى في وعينا .. و ظهرت الوحدة بينهما بشكل مهيب في النسبية العامة عام 1915. نظرية “هندسية” تصف الزمكان والجاذبية.

sppvB

نظرية ” الحقول” باتت أمراً مثيراً، ففي ناحية أخرى، نظرية الكم بدأت تتحول لنظرية ” حقل كمومي” على يد عظماء مثل بول ديراك و فيرنر هايزبيرغ. نظرية بدأت تجمع بين القوة الكهرومغناطيسية والقوتين النوويتين المكتشفتين حديثاً.

إذاً أصبح لدينا حقل “كمومي” يصف القوى الثلاثة، الكهرومغناطيسية، والنووية القوية والنووية الضعيفة، ونظرية حقل أخرى تصف الجاذبية…

ولكن ما هي الحقول ؟ يبدو أن الطبيعة تحب هذا المبدأ !

fastImagery

الحقل هو كمية فيزيائية تأخذ قيمة عند كل نقطة في الزمكان . مثل درجة حرارة الغرفة، ستأخذ قيمة معينة تختلف (أو ربما تكون ثابتة) باختلاف الموقع، و أيضاً من الممكن أن تتغير مع الزمن.

في الحقول الكمومية، لو أثرنا الحقل بطريقة ما، فإنه سيعطينا “جسيم” و هذا ما نجده في حالات التصادمات بين الجسيمات. حيث يوجد حقل لكل جسيم أولي، و من الممكن أن تحدث حالات تراكب بين الحقول تلك لتنتج جسيمات أخرى “مركبة”، فسر هذا المبدأ لماذا تنشأ كميات هائلة و متنوعة من الجسيمات عند حدوث تصادمات بطاقات عالية، حيث لا يحفظ عدد الجسيمات حينها، ولكن يوجد كميات أخرى تحفظ تدلنا للتنبؤ بنتاج التصادمات.

إن مصادمة الجسيمات بطاقات عالية، هي وسيلتنا للرجوع بالزمن للوراء ، للحظات الرائعة و المثيرة للفيزيائيين قبيل الإنفجار العظيم ، بمصادمة الجسميات تمت دراسة أنمذجة القوة الكهروضعيفة ( أي التوحيد بين القوة الضعيفة و الكهرومغناطيسية تحت قوة واحدة) ، وربما في المستقبل سندرس نمذجة التوحيد العظيم ( التوحيد بين القوة الكهروضعيفة والقوية) و لكن أسس هذه النمذجة موجودة وواضحة، فهذه القوى لها وصف واحد يعرف بالأنموذج القياسي.

GPB_circling_earth_nasa

ولكن المشكلة الحقيقية هي إخضاع القوة الرابعة لنظرية الحقل الكمومي؛ أي صياغة جاذبية كمومية وهو ليس بالأمر السهل، فيبدو أن الجاذبية كما وضع نظريتها (أينشتين) لا تحب ميكانيك الكم ! فوصف الجائبية من خلال النسبية العامة (كتغير في هندسة الزمكان) ليس قابل لأسباب نظرية أولاً و تجريبية ثانياً للتكميم كما هو.

ولكن … لماذا نهتم ؟ كل من الأنموذج القياسي و النسبية العامة ناجحتان في وصف القوى .. أليس هذا ما نريد ؟

في الحقيقة : لا… لسبب عميق جداً، نحتاج لنظرية واحدة… لنظرية حقل موحدة تصف التناغم بين الزمكان و القوى … تصف كل شيء !

يبدو التوحيد أمر يجذب العلماء… أمر آسر فعلاً … التناظر و التشابه، نكاد نشعر بهما … نريد فقط أن نلمسه، تستشعره أقىمنا و طباشيرنا… تحكيه رموزنا ! قصة كل شي، قصة الجمال .

نعلم أن الكون نشأ عن طريق الإنفجار العظيم، و كلما رجعنا بالزمن للوراء زادت كثافة الطاقة، و تغيرت ملامح الفزياء عن اليوم. بطاقة أعلى نرى انصهار القوتين الضعيفة و الكهرومغناطيسية –كما ذكرت سابقاً- و القليل إلى الوراء نرى اندماج القوة القوية مع “اختيها” ، فيبدو منطقيا أن الجائبية ستتبع النسق نفسه. كما أننا بحاجة لنظرية مشابه لوصف التفاعل الثقالي بين الجسيمات الأولية (و إن كان ضعيفاً) و أيضاً في ظواهر طاقة عالية و كتلة كبيرة (كما في الثقوب السوداء) نحتاج لنظرية تصف الجائبية بشكل كمومي .

على الأقل هذا ما نقوله … ولكن لم يفكر أينشتين بهذا بالضرورة عندما اعتكف على نظرية الحقل الموحد. أينشتين لم يكن مهتما بمكانيك الكم، ولم يعلم حتى باكتشاف القوتين النووتين. ولكنه استشعر التناغم و الوحدة في الطبيعة، رآها و شعر بها بالنظر للكهرومغناطيسية و للنسبية العامة.. ” إنهما حتما نظرية واحدة” نحن لا نوحد بين القوى، بل نصحح الخداع ” البصري” الذي يجعلنا نرى القوة ” الواحدة” قوى أربع ! الجاذبية و الكهرومغناطيسية في نظر أينشتين هما قوة واحدة.. ولكننا نراهما قوتين نتيجة “لتفاوت شدتيهما” !

كأس التوحيد المقدسة كما أصبحت تعرف، هي الهدف الأسمى تجاه تقدير الجمال… النظرية الأكثر جمالاً في الكون… نظرية الجمال ! فهي القطعة الأخيرة في منظومة التناظر، ولكن … ليست القطعة الأخيرة في حل ألغاز و أحاج الطبيعة !

ربما…. ربما يكون الحل في الهندسة ! فاليونان ربطوا الجمال بالتناظر و الهندسة … وربما يكون الحل هنالك !

 


المصدر:

Brian Greene, The Elegant Universe: Superstrings, Hidden Dimensions, and the Quest for the Ultimate Theory

 

 

Website Comments

  1. معاذ الحصني

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    انا جعبالي احكي ووصل للناس افكار عميقة
    وجعبالي احكي انو مهما توصلنا بالعلم لن نتوصل ل جزء صغير اصغر من كويكب الكتروني من علم الخالق
    ولو توصلنا هذا من فضل الله علينا
    انا جعبالي شارك معكم بافكار ممكن تصل كتير افكار
    وبحثت ووجدت انو الالكترون ليس اصغر شيء لا بل يوجد
    وونتشكركم كثيييييرا على مقالتكم الجميلة لكن
    نظرية كل شيء هي عبارة عن متسلسلة تحتو على مالانهاية من السالب حتى الموجب
    ونحن نستطيع ان نصل الى نظرية كل شيء لكن ان جزءنا كل شيء ونظرنا من بعيد على هذا الذي كل شيء
    انا اسف ع الاطالة لكن اتمنى ان اجد احد اتناقش معه منهم ذوي الخبرة
    وشكرا

  2. abdulah

    موضوع عميق جدا .. استمتعت كثير في قراءة كل حرف .. مع انه خارج نطاق تخصصي .. شكرا جزيلا ..

  3. محمد سلطان -سوريا

    حاولت الكاتبة فلسفة العلم بطريقة أدبية لكن يبدو أن السرد التاريخي للتسلسل العلمي المطروح أفقد النص روحه و للأسف لم تتطرق الكاتبة لقوى العالم لابلاس التي ربطت ” الحقول” المغناطيسية الغير مرأية بالكهرباء و حركة الالكترونات في ” توحيد “كهرطيسي لا زال العالم يرى آثاره يوميا.

    • dr ahmad

      ما قاله أينشتاين قاله هوكينج بطريقة أخرى وهي:
      “لو اكتشفنا نظرية متكاملة فان هذا سيكون انتصارا ساحقا للعقل البشري، لأننا عندها سنتعرف على عقلية الخالق”.

      نلاحظ انهما يعبران بشكل خاطىء وإن كان ذلك مجازيا (اينشتاين قال أنه بتوحيد القوى سنعرف بما يفكر به الرب وهوكينج سيتعرف على عقلية الرب)،
      وهذا تأكيد أن هوكينج ليس ملحدا تماما.
      هذا الإنتصار السساحق للعقل البشري لا يعني كما يفهم البعض أنه إنتصار على الخالق أو أن الإنسان هو الرب، بل هو إنتصار لكوننا إستطعنا فهم قانون واحد للكون (وضعه رب واحد).

      فليس العقل البشري من وضعه بل سعى إلى فهمه(لأن الله أعطانا العقل الذي به إستطعنا فهم هذا القانون والتوصل إليه)وقد تطلب هذا وقت كثير وربما سيتطلب وقت لكي نحصل عليه.

      الرب لا يفكر كما قال أينشتاين وليس له عقلية كما قال ستيفان هوكينج لأن هذه من صفات الإنسان ولكن الله قال كن فيكون، وهكذا كان الإنفجار ألأعظم وكل ماتبعه مثل قانون التوحيد.
      أنا أقول لو وصلنا إلى النظرية المتكاملة(توحيد القوى) سيكون لدينا برهان (بنفس الوقت علمي وفلسفي) مربوط بالمنطق عندها ، وهو تأكيد وحدانية الخالق.

      كان لدينا رب القوى الكهربائية ورب القوى المغناطيسية وإكتشفنا أنهما رب واحد هو رب القوى الكهرومغناطيسية والذي توحد مع رب القوى النووية القوية ورب القوى النووية الضعيفة.
      والآن نحن أمام رب لجميع هذه القوى ورب لقوى الجاذبية، وبتوحيدهما إن شاء الله نتأكد من أن هندسة الكون هي واحدة والقوانين هي قانون واحد والذي صنعها هو رب واحد.
      في كتاباتنا في رأي يجب أن نمررهذا الإستنتاج.

      من وجهة نظر فلسفية علمية فإن ألإنفجار حدث ثم أخذ قانون التوحيد يتفعل ويتشعب الى القوانين التي تحكم الكون حاليا.
      ولكن السؤال الكبير والذي لم ولن نعرفه لماذا حدث الإنفجار(نحن نعلم أن وجود طاقة هائلة في حيز صغير جدا وفي زمن قصير جدا يسبب إنفجار) بل لماذا تواجدت هذه الطاقة الهائلة التي تمثل الكون حاليا ومن أين اتت وتوضعت في حيز وما هو الحيز وما هي لحظة الإنفجار بما أن مفهوم الزمكان لم يكن موجودا أصلا.
      وأعتقد أن قانون التوحيد هو قانون حدوث الإنفجار الأعظم لأن مجرد حدوث إنفجار هو نتيجة قانون.
      نظريا سنصل بإذن الله إلى قانون توحيد القوى، ولكن ومهما تطورنا بالمسرعات النووية أعتقد أننا لن نستطيع أن نبرهن على صحة هذا القانون لأننا لو فعلنا لحدث إنفجار أعظم من جديد!
      ونحن البشر أضعف بكثير من ذلك فنحن لم نستطيع السيطرة بعد على مكنونات الأرض فالبركين تندلع ولا نستطيع ردعها بل التحزير منها، وثقب ألأوزون يتوسع ونحن لا نستطيع لمه بل نحزر منه والأمراض و و و.
      لم نستطيع حتى الآن السيطرة على الأرض وما في داخلها وما في محيطها القريب فكيف إذا سنسيطر على الكون من خلال إنفجار أعظم نجريه على الأرض في أحدى مسرعاتنا النووية المتطورة جدا؟

  4. YOussef el ouali

    شكراا جزيلا ………لطالما استمتعت و أنا أقرأ مقالاتكم القيمة و الجميلة جدا ..وهذا ان دل على شيء فاءنما يدل على أناس
    يشتغلون بجد لكي يوصلوا المعلومة الى الشباب العربي و بالتالي يزداد ثقافة و نورا
    كل ما أتمنى لكم هو ان يبارك الله سبحانه و تعالى في مشروعكم هذا

  5. Mhd Marzouk

    شكرا جزيلا على هذا المقال لقد استمتعت بالحوار والتعليقات كافة..نتمى تزويدنا بالمعلومات القيمة على الدوام.

  6. Mohammed toubi

    مقال مبسط لنظريات وافكار فيزيائية جباره…فيه لمسه ادبيه رائعه.
    الكون واسع..وكل فتره يكتشف شي جديد في الفيزياء وتموت نظريات وتنشئ اخرى..
    ولكن رغم كل هذا العلم ..يقول الله ” وما أوتيتم من العلم الا قليلا ” ..اي انه سيحتاج وقت طويل جدا لنتعرف اكثر على حقائق هذا الكون الماديه..
    شكرًا للكاتبه