المسبب الأول للعمى في العالم: اعتلال الشبكية السكري

بقلم: عمر بخش

يعتبر إعتلال الشبكية السكري أحد أهم الأمراض المنتشرة في الزمن الحديث لعدة أسباب. ليس فقط لأنه المتسبب الأول عالمياً للعمى بين المرضى بين أعمار 24-65 سنة ، لكن لأنه و بكل بساطة مرضُ قابل للتفادي!health053835244Elan

للحديث عن هذا المرض الذي يصيب العين ، لابد أن نتحدث أولاً بإختصار عن أمرين مهمين : مرض السكري ، و العين كعضو في جسم الإنسان. السكري (Diabetes Mellitus) ببساطة هو مرضُ يتسبب في مستويات عالية – أعلى من الطبيعي- من الجلوكوز (السكر) في الدم. أما الإنسولين فهو هرمون يُفرز بشكل طبيعي من خلايا البنكرياس عند ارتفاع مستوى الجلوكوز ، و يقوم بحمل الجلوكوز و إدخاله في خلايا الأعضاء و الأنسجة المختلفة في الجسم .

هنالك نوعان رئيسيان من مرض السكري (بجانب سكري الحمل) :

  • النوع الأول: بسبب النقص في هرمون الإنسولين. هذا النوع الأول من مرض السكري يحدث بسبب نقص أو خلل في الخلايا المفرزة للإنسولين ، مما يؤدي إلى مستوى عالي من السكر في الدم . لذا هذا النوع الأول من السكري يَعتمد في علاجه على إبر الإنسولين حصراً .
  • النوع الثاني: الخلايا المُفرزة للإنسولين موجودة و غالباً تفرز الإنسولين بشكل جيد ، إلا أن عوامل أخرى مثل “السُمنة” تؤدي لصعوبة في عمل الإنسولين على مستوى الخلايا، مما يؤدي إلى نوع من “المقاومة” لعمل الإنسولين و يؤدي في النهاية بطبيعة الحال إلى مستوى عالي من الجلوكوز .

 

نأتي الآن للحديث عن العُضو المذهل: العين.

العين فعلاً من أكثر الأعضاء في جسم الإنسان إثارةً للإعجاب، سواءاً من ناحية تركيبتها أو وظيفتها .

العين في تركيبتها مكونة من 3 طبقات ( من الخارج إلى الداخل ) :e9ee41a0e7

  • الصلبة (Sclera) : و هي الجزء الأبيض الذي نراه من العين ، ينتهي في الجزء الأمامي من العين بأن يصبح “القرنية” . ( بالمناسبة ،القرنية لا يصل إليها أي أوعية دموية، و تأخذ نصيبها من التغذية عن طريق الأوكسجين الموجود في الهواء! )
  • المشيمة (Choroid): و تقع بين الصلبة و الشبكية ، وهذه الطبقة مهمة في موضوعنا اليوم، لإنها المصدر الأساسي الموصل للدم إلى الشبكية بسبب امتلائها بالأوعية الدموية .
  • الشبكية (Retina): و هي الطبقة التي تبطن المشيمة ، و تمثل العشاء الداخلي الأخير في العين.لأنها تحتوي على الخلايا المستقبلة للنظر و كذلك الخلايا التي توصل ما نراه إلى الدماغ فهي ذات أهمية فائقة في وظيفة العين الأساسية: “الرؤية” .
diabetes_complications-arabic

الآن و بعد ان فهمنا مرض السكري و تركيبة العين بشكل عام، بقي أن نعرف ماهية العلاقة بينهم ؟ و ماهو مرض “إعتلال الشبكية السكري” ؟

مرض السكري على مدى طويل ، قابل أن يؤثر على وظيفة أي عضو في الجسم – كما توضح الصورة- و ذلك أن الإرتفاع الكبير في مستوى السكر في الأوعية الدموية يؤدي إلى تضررها ، و يؤدي إلى ترسبات في هذه الأوعية مما يؤثر عليها و على مدى طويل يغير من تركيبتها، مما يؤدي في النهاية إلى ضعف و تغير في وظيفة هذه الأوعية.

أحد أعضاء جسم الإنسان المعرضة للضرر هي العين . كما ذكرنا سابقاً أن المشيمة هي الطبقة المليئة بالأوعية الدموية، و هي المغذي المباشر للشبكية. إذاً، إرتفاع مستوى السكر على مدى طويل يمكن أن يؤثر على الأوعية الدموية في المشيمة و يغير من تركيبتها مما يعرضها لعدة أمور:

  • الترسب في الأوعية يمنع الدم من المرور داخلها جيداً ، و بالتالي كمية الدم المفترض وصولها للعضو يصبح أقل من الطبيعي.
  • أيضاً، تخسر الأوعية نفاذيتها و تصبح أكثر سهولة في “تسريب” الدم الذي يمر داخلها.

كل هذه العوامل تؤدي إلى تناقص كمية الدم المفترض وصولها إلى الشبكية ، مما يؤدي إلى تضررها وبالتالي ضعف في وظيفتها.

 

بما أن إعتلال الشبكية السكري مرَض مُزمن و يستغرق الكثير من الزمن –سنوات عديدة – ليؤثر على نظر المريض، فإن أفضل طريقة لتشخيص المرض هو بفحص الشبكية عن طريق جهاز “منظار العين” Ophthalmoscopy . هذا الجهاز الذي يسمى أيضاً “Fundoscope” متوفر دائماً عند أطباء العيون، و تقوم فكرته بإسقاط ضوء داخل العين ، مما يظهر صحتها الداخلية و تركيبها بشكل جيد و كذلك الأوعية الدموية التي تقوم بتغذيتها.

Ophthalmoscope-660x330

 

وهذا هو المنظر الطبيعي الذي يراه الطبيب وبجانبه ما يراه داخل عين المريض. نرى بوضوح الأوعية الدموية و تركيبها و لون الشبكية الطبيعي (مابين الأحمر و الوردي )، نشاهد بوضوح أيضاَ العصب البصري على يمين الصورة .

اعتلال-الشبكية-بالسكري

 

الآن نعود للحديث عن المرض، لنعود بعدها للحديث عن العلامات التي قد نجدها في عين مريض بإعتلال الشبكية السكري. يُقسم مرض إعتلال الشبكية السكري إلى مرحلتين؛ المرحلة الأولى قد نجد فيها عند فحصنا لشبكية المريض العديد من العلامات التي تدل على المرض، و المرحلة الثانية و المتقدمة يشخص بها المريض متى ما وُجِد في شبكية المريض “أوعية دموية” جديدة !

diabetic-retinopathy-4

نرى بوضوح أوعية دم جديدة في الشبكية، مما يعني بوضوح أن المريض دخل المرحلة الثانية من المرض. ونرى بوضوح أيضاً نزيف من الأوعية الجديدة الهَشة

الآن نتحدث عن ماهية هذه العلامات ، وسبب تكٌون أوعية جديدة. كما تحدثنا مسبقاً عن الضعف الذي يحل بالأوعية الدموية الموصلة للدم في الشبكية، تغيُر تركيبتها يؤدي إلى ضعف في جدارها مما يؤدي إلى تكون “جيوب” في الأوعية ! و هذا الجيوب قد تسرب مكونات الدم –بروتين و دهون- التي تجري في داخل الأوعية ، إلى خارجها ، أي على الشبكية !

أيضاً هذه الأوعية و الجيوب الضعيفة قد تنزف دم على الشبكية نفسها. كل هذا يؤدي إلى نقص في كمية و جودة الدم الذي يصل إلى الشبكية.  مع مرور الزمن ، و مع “اختناق” الشبكية بسب عدم وصول دم كافي لتغذيتها ، يبدأ الجسم بإفراز مادة Vascular Endothelial Growth Factor أو إختصاراً VEGF و ترجمتها ( عامل نمو الأوعية الدموية )، و يقوم بإنشاء أوعية دموية جديدة لتعويض النقص في التغذية للشبكية !

قد يبدو هذا أمراً ساراَ للوهلة الأولى، لكن للأسف ، الأمر عكس ذلك تماماً. بوجود أوعية دموية جديدة في الشبكية ، يكون المريض قد دخل –رسمياً- في المرحلة الثانية و المتقدمة من مرض ” إعتلال الشبكية السكري” ، و مشكلة هذه الأوعية الجديدة أنها ضعيفة جداَ و هشة ، و دائماً ما تنتهي بنزيف قوي يؤدي لمضاعفات أخرى مع الوقت ، و غالباً ما يكون المريض قد فقد جزء من حدة بصره عند وصوله لهذه المرحلة.

 

ماذا عن الأعراض ؟

سكر

إحصائية توضح أنه خلال 20 عاماً حوالي 60% من مرضى السكري النوع الثاني و تقريباً 100% من مرضى السكري النوع الأول يعانون من مرض إعتلال الشبكية السكري

في الحقيقة لا توجد اعراض حقيقية لمرض إعتلال الشبكية السكري، فالسكري هو “قاتل صامت” يأخذ سنين عديدة حتى يؤثر على وظيفة العضو ، لكن الأمر المؤكد هو أن شبكية السكري تؤدي حتماً في النهاية إلى ” العمى” . و كل ما زادت السنوات التي يعاني فيها المريض من مرض السكري، زادت إحتمالات تأثر عينه مباشرةً .

 

 

 

 

ماذا عن العلاج؟

تفادي مضاعفات السكري يبقى دائماً العلاج الأول و الأهم !

تفادي مضاعفات السكري يكون عن طريق التحكم بمستوى السكر في الدم بعيش حياة صحية بعيدة عن الأغذية المضرة و مليئة بالتمارين الرياضية ، و المتابعة الدائمة لمستوى السكر ، والمراجعات الدورية للطبيب. SUVR0003
إذا كان المريض قد وصل إلى المرحلة الثانية ، فالعلاج يكون عن طريق الجراحة بالليزر Pan-retinal photocoagulation، حيث يقوم فيها طبيب العين بـ”حرق” مواقع معينة على الشبكية ، و ذلك لتقليل مستوى حاجة الشبكية للتغذية و الدم.

مؤخراَ بدأت علاجات جديدة مثيرة للإهتمام بالظهور. تحدثنا سابقاَ عن العامل الذي يفرزه الجسم VEGF لنمو أوعية دموية جديدة في المراحل المتقدمة من المرض ، مؤخراَ طور العلماء و أطباء العيون أدوية تُحقن داخل العين و تقوم مباشرة بإيقاف عمل هذا العامل “VEGF” ، و النتائج جيدة جداَ حتى الآن .

ولكن بغض النظر عن التطور في العلاجات ، يبقى العلاج الأول و الأهم هو التحكم الجيد بمستوى السكر لتفادي حدوث المرض .

 


المراجع:

  •  Mitchell P, Foran S. The National Health and Medical Research Council (NHMRC)  Guidelines for the Management of Diabetic Retinopathy. Canberra, Australia: Australian Diabetes Society for the Department of Health and Aging; 2008

Website Comments