الوجهين المتناقضين للبلاستيك: نعمةٌ أم نقمةٌ؟

كنابة: فريق تحرير السعودي العلمي.

استخدم الناس المطاط الطبيعي كوسيلةٍ لحماية معداتهم وأدواتهم من الماء والمؤثرات الأخرى منذ منتصف القرن التاسع عشر، ولكن إنتاج المطاط كان قليلاً جداً نتيجةً لمحدودية الموارد الطبيعية، فحاول الكيميائيون أن يصنعون منتجاً صناعياً بالكامل مشابهٍ يُمكن إنتاجه بكمياتٍ كبيرةٍ في جميع أنحاء العالم، واستمرت المحاولات في ذلك حتى ظهر أول بلاستيكٍ من صنع الانسان في المعرض الدولي الكبير في لندن عام 1862 على يد ألكسندر باركز، وأطلق عليه اسم باركسين، وهي مادةٌ عضويةٌ مشتقةٌ من السليلوز يُمكن تشكيلها بمجرد تسخينها وتحافظ على شكلها عند تبريدها.

تعتبر صناعة البلاستيك (المعروفة أحيانا بصناعة اللدائن) أحد أهمّ الصناعات عالمياً في وقتنا الحالي، وذلك نظراً لأهميتها واستخدامها في العديد من المجالات الحيوية للمجتمع، وهي صناعةٌ تندرج ضمن عمليات تصنيع البتروكيماويات، حيث يُعد النفط المصدر الرئيسي لجميع أنواع البلاستيك ويُعالج لصنعه عن طريق عمليةٍ تُدعى البلمرة، وهي بناء سلاسل مركباتٍ هيدروكربونيةٍ بواسطة تفاعلاتٍ كيميائيةٍ بمساعدة الضغط والحرارة. ويُسمى المركب الذي صُنع منه البوليمر بالمونيمر، ويسمى البلاستيك استناداً على هذا المركب مسبوقاً بكلمة بولي (متعدد)؛ فبلاستيك البولي إيثلين على سبيل المثال هو البلاستيك المصنّع من مبلمر أساسه مركب الإيثلين.

فيما يستخدم البلاستيك؟
هناك العديد من أنواع البلاستيك ولكلٍ منها خصائصه التي تجعله مناسبا لاستخداماتٍ محددةِ، ومن أكثرها شيوعاً بلاستيك البولي إثيلين تيرفثالات (PET) واسمه التجاري البوليستر، وهو يتميز بمقاومته للرطوبة والكسر ويُستخدم غالباً كأليافٍ في منتجات التعبئة وقوارير المياه، وهو من الأنواع التي يسهل إعادة تدويرها بشكلٍ كبير. ونجد البولي إيثيلين (PE) بنوعيه منخفض وعالي الكثافة يُستخدمان في تطبيقاتٍ واسعةٍ أيضاً، فالبولي ايثلين منخفض الكثافة يُستخدم في صناعة أكياس البقالة البلاستيكية لما يتميز به من ليونةٍ عالية، ويُستخدم عالي الكثافة الأكثر صلابة في التعبئة البلاستيكية الأكثر قوة مثل حاويات المنظفات وتطبيقات البناء، بينما ينافس البولي إيثيلين فائق الوزن الجزيئي في قوته الفولاذ ويستخدم في الأجهزة الطبية.

من أنواع البلاستيك الشهيرة الأكريليك الذي يتميز بشفافيته ومقاومته للخدش، مما يجعله ملائماً للاستخدام في الأجهزة البصرية، ويستخدم النايلون في مجموعة متنوعة من التطبيقات التي تشمل الملابس والتعزيزات في المواد المطاطية مثل إطارات السيارات، كما يستخدم غالبا كبديلٍ للمعادن ذات القوة المنخفضة بسبب قوته ومرونته في درجات الحرارة العالية. ومن أنواع البلاستيك الأسهل تصنيعاً ووفرةً بلاستيك الأكريلونيتريل بيوتادين ستايرين (ABS)، ويتميز بمقاومةٍ عاليةٍ للمواد الكيميائية المسببة للتآكل وسهولة توفره، كما أنه يمتلك درجة حرارة انصهارٍ منخفضة ما يجعله سهل الاستخدام في عمليات تصنيع القوالب بالحقن والطباعة ثلاثية الأبعاد.

لقد تسارع الانتاج الضخم للبلاستيك بوتيرةٍ كبيرةٍ خلال السنوات الأخيرة. حيث يُقدر نمو الإنتاج السنوي للبلاستيك من 2 مليون طنٍ متري في عام 1950مـ إلى 380 مليون طنٍ متري في عام 2015مـ، فنجد البلاستيك اليوم في معظم استخداماتنا تقريبا، نظراً لتنوّع مميزاته وانخفاض تكلفته نسبياً، مما دفعنا إلى تبنّي ثقافة الاستهلاك المفرط للمواد البلاستيكية دون التفكير في عواقب ذلك ومصير البلاستيك الذي نأخذه مع مشترياتنا من السوبر ماركت.

أين يذهب البلاستيك بعد استخدامه؟
يبلغ ما تم انتاجه من البلاستيك في العالم حوالي 8.3 مليار طنٍ متري ومعظمه من المنتجات التي تُستعمل مرةً واحدةً فقط، ويُقدّر بأنّ 6.3 مليار طنٍّ متريّ منها يتحوّل إلى نفاياتٍ بلاستيكية، أي إنّ معظم البلاستيك لا يزال موجوداً في البيئة بشكلٍ أو بآخر، حيث يستغرق أكثر من 400 سنةٍ ليتحلل، ولا يُحرق منه سوى 12% فقط، بينما تخضع بعض أنواع البلاستيك إلى عمليات إعادة التدوير بنسبةً لا تتجاوز 9% من البلاستيك المُنتج، وهذه نسبةٌ صغيرةٌ جداً! فكيف ينبغي التخلص من النفايات البلاستيكية التي يصعب تدويرها؟

الدفن أم الحرق؟
ينتج عن حرق البلاستيك كميةً كبيرةً من الحرارة لأنه يُصنع من مشتقات النفط، لذلك يبدو منطقياً جدوى تسخير هذه الحرارة لتوليد الكهرباء واستخراج الطاقة من النفايات البلاستيكية التي يصعب تدويرها عوضاً عن إرسالها إلى مكب النفايات، إلا أن حرق البلاستيك من جهةٍ أخرى يُنتج الديكسونات الضارّة التي يمكن أن تتسرب إلى البيئة إن لم تكن المواقد ذات كفاءةً عالية، كما أن اللدائن المحترقة تُنتج الحرارة بكفاءةٍ تصل إلى 25% فقط، وهي أقل بكثير مقارنةً بالحرارة الناتجة في المحطات الغازية التي تصل إلى 55%، بالإضافةً إلى ارتفاع مستوى انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري منها، فبالتالي يبدو أن دفن النفايات أفضل حرقها من الناحية البيئية.

هل أصبحت المحيطات حاويةً لنفاياتنا؟
تتراكم الغالبية العظمى من النفايات البلاستيكية التي تساوي 79% في مكبات القمامة أو يتم التخلص منها في البيئة الطبيعية، مما يعني تحوّل المحيطات في مرحلةٍ ما إلى الحاوية النهائية للنفايات. ويقول الباحثون في أحد الدراسات المنشورة في دورية ساينس أن حوالي 4 ملايين إلى 12 مليون طن متري من البلاستيك انتهى بها المآل للمحيطات في عام 2010مـ فقط، مما يكفي لتغطية كل شبرٍ من خط السواحل على هذا الكوكب، ولقد عرّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة القمامة البحرية بأنها تشمل أيّ مادة مُصنّعةٍ، مُعالَجةٍ، أو صلبةٍ يتم التخلص منها في البيئة البحرية والساحلية.

يحتوي شمال المحيط الهادي على أكبر كميةٍ من البلاستيك، يليه المحيط الهندي، شمال المحيط الأطلسي، جنوب المحيط الهادي، جنوب المحيط الأطلسي، فالبحر الأبيض المتوسط، ونجد أن نصف الكرة الأرضية الشمالي أسوأ من نظيره الجنوبي بشكلٍ عام، إذ يحتوي على 56% من الجسيمات البلاستيكية. تنغمر معظم تلك الجسيمات إلى الأعماق وتُدمر الحياة في قاع البحر، بينما تطفو البقية في البحار المفتوحة وينتهي بها المطاف في التيارات الدائرية، لتشكل تكتلاتٍ من النفايات البلاستيكية التي تُسمّى ببقع القمامة.

يوجد في المحيط الهادي أكبر بقع الحطام البلاستيكي المدعوة بـ “رقعة قمامة المحيط الهادي العظمى” وتمتدّ على المياه من الساحل الغربي لأمريكا الشمالية إلى اليابان، ويتراكم الحطام في هذه البقعة لأن معظمه لا يتحلل أحيائياً أو يتآكل، بل يتفتت إلى قطعٍ أصغر فأصغر عبر التحلل الضوئي بتأثير الشمس، وتكاد تكون هذه البقع مكونةً بالكامل من القطع البلاستيكية المجهرية التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة غالباً، مما يُفسّر عدم ظهورها في صور الأقمار الصناعية.

تميل بعض الكائنات البحرية لابتلاع تلك الجسيمات البلاستيكية الصغيرة، خاصةً تلك التي تشابه طعامها في الحجم واللون، مما قد يسبب لها المرض أو الموت، كما تتأثر السلسلة الغذائية من خلال نقل السموم من البلاستيك إلى الأطعمة البحرية التي يعتمد عليها الكثير من الناس. ويُقدّر بأنه ما لا يقل عن 267 نوعًا حيوانياً مختلفاً عانى من ابتلاع حطام البلاستيك، ويقتل حطام البلاستيك ما يقدر بنحو 100 ألفٍ من الثدييات البحرية سنوياً وفقاً للإدارة الوطنية الأمريكية لعلوم المحيطات والغلاف الجوي.

تتفاقم هذه المخاطر من حقيقة امتصاص المواد البلاستيكية لبعض الملوثات الضارة أثناء دورة حياتها الاستهلاكية، إذ تتخلص من الملونات والمواد الكيميائية المرتبطة بمشاكلٍ بيئيةٍ وصحيةٍ عندما تتفكك عبر التحلل الضوئي، كما يمكن للمواد البلاستيكية على الجانب الآخر أن تمتص الملوثات مثل ثنائي الفينيل متعدد الكلور من مياه البحر.

الشعاب المرجانية هي جزءٌ ضروريٌ من النظام البيئي الشاسع للمحيط، ولكنها لم تسلم من تأثير التلوث البلاستيكي، إذ أشارت دراسةٌ جديدةٌ إلى تأثير البلاستيك المحصور في الشعاب في جميع أنحاء العالم على صحة المرجان، حيث تمنع المواد البلاستيكية الضوء والأكسجين من الوصول إلى الشعاب المرجانية والذي تحتاجهما للبقاء على قيد الحياة، ويجعلها البلاستيك أكثر عرضة للإصابة بالميكروبات الضارة، حيث يصف العلماء الحطام البلاستيكي في المحيطات بأنه يعمل كبيتٍ متنقلٍ للميكروبات. ولقد وُجدت أكثر من 11 مليار قطعة من البلاستيك في الشعاب المرجانية لمحيط آسيا والمحيط الهادي، كما وجد باحثو جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية أن نسبة الحطام العائم في البحر الأحمر تُعدّ منخفضةً نسبياً، إلا أنه يُخشى أن يرجع سبب انخفاضها إلى مساهمة الشعب المرجانية في إزالتها.

تُشير التقديرات المبنية على النمو المتوقع لاستهلاك البلاستيك أن المحيطات ستحتوي على موادٍ بلاستيكيةٍ أكثر من الأسماك في وزنها بحلول عام 2050مـ، بينما سيحوي أكثر من 80% من مياه الصنبور على جسيماتٍ بلاستيكيةٍ مجهرية، وسوف تستهلك صناعة البلاستيك بأكملها 20٪ من إجمالي إنتاج النفط، و15٪ من ميزانية الكربون السنوية. ولهذا فإنّ الوعي بهذا الخطر وما يترتب عليه من الاستهلاك غير المقنن للمواد البلاستيكية مهمٌ جداً، ويتطلب تظافر الجهود بين الجميع من حكوماتٍ مجتمعاتٍ، وأفرادٍ، فهل هناك جهودٌ حقيقيةٌ بوسعها أن تحدّ من خطر التلوث البلاستيكي الذي يجتاح اليوم البر والبحر على حدٍ سواء؟ سنجيب على ذلك في مقالنا المفصل بالغد.

المراجع:

historyofplastic
plastic-pollution
nationalgeographic
discovery.kaust
independent
weforum
historyofplastic
UN

السعودي العلمي

Comments are closed.