السعودي العلمي في منتدى أسبار الدولي – اليوم الأول والثاني

كتابة: رنيم دحلي.

لا يخفى على أحدٍ دور المعرفة والابتكار في تنويع الاقتصاد ومكانتهما في رؤية المملكة 2030، فلقد أثبتت تجارب جميع الدول الرائدة عالمياً بأن أهم وأول خطوةٍ في بناء الاقتصاد المتين هي تبني الابتكار كأساسٍ فكريٍ يحكم جميع قرارت الدولة، بدأ من أعلى المستويات والقرارات إلى أبسطها. ولهذا كان من الواجب على جميع قطاعات الدولة التعاون للعمل على إيجاد آلياتٍ وسياساتٍ داعمةٍ للابتكار، ولتحقيق هذه الرؤية والتوجه عُقد منتدى أسبار الدولي في دورته الثانية في الرابع عشر من شهر نوفمبر بمدة ثلاثة أيامٍ متتاليةٍ، فكان واضحاً من اليوم الأول حجم الاهتمام الذي يوليه الجميع بلا استثناء لهذا الموضوع، حيث قدم رئيس مجلس الإدارة الدكتور فهد العرابي الحارثي كلمته الافتتاحية وتبعه ممثلي شركاء المؤتمر بإلقاء كلماتهم، كوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، هيئة المنشئات الصغيرة والمتوسطة، شركة أرامكو السعودية، وشركة سابك.

 

أسبار هو منتدى سنويٌ تنمويٌ للتعريف بالاقتصاد المعرفي، ويهدف لدعم تحوّل المجتمع وخلق فرص العمل بتفعيل المعرفة ورأس المال البشري، وأحد أبرز أهداف المنتدى هو المساهمة في تأطير الابتكار ومناقشة سبل إنتاج سياساتٍ ومبادراتٍ لبناء استراتيجياتٍ تنمويةٍ معرفياً، ويسعى لزيادة الوعي بأهمية توظيف تقنية المعلومات والاتصالات لتخفيض تكاليف الأنشطة الاقتصادية، ولمناقشة طرق الربط بين وكلاء المعرفة ومستخدميها، وتطوير اتجاهات إيجابية نحو العمل. ومن الجدير بالذكر أن حضور المنتدى متعددٌ ورفيع المستوى، حيث شمل الوزراء، الرؤساء والمديرين التنفيذيين، وصناع القرار، وشمل أيضاً واضعي السياسات ومديري الحاضنات والجهات الحكومية المعنية بالابتكار، وتخلل الحضور رواد الأعمال والأفراد المهتمين بالإبداع والابتكار، بالإضافة إلى تواجد العديد من ممثلي الجامعات ومراكز البحوث.

خلال أيام المنتدى، تحدث ٦٦ متحدثاً في ١٠ جلساتٍ حواريةٍ و٦ محاضراتٍ، وكان هناك ٦ ورش عملٍ متخصصةٍ قدمها أبرز خبراء الابتكار والتقنية، وشهد الحضور عدداً من حلقات النقاش والمقابلات والبيانات العلمية والإعلامية. وأدار هذا المنتدى الرائع ٨ لجانٍ عاملةٍ بكادرٍ يصل لمئة وخمسين شخصاً في اللجان المنظمة. ولقد صاحب المنتدى معرض ومسابقة “ابتكر”، وهي مسابقةٌ ترعاها الهيئة العامة للمنشئات الصغيرة والمتوسطة ضمن مبادرة السعودية تبتكر، حيث أتاحت الفرصة لرواد الأعمال من ذوي الأفكار الابتكارية لعرض مشاريعهم على المحكمين والمستثمرين، ليتم اختيار أفضلهم ليفوزوا بجائزة ابتكر بنسختها الأولى.

ابتدأت فعاليات اليوم الثاني من المنتدى بجلسةٍ عنوانها “الابتكار في الاقتصاد القائم على المعرفة”، والتي أدارتها الأستاذة آمال المعلمي، فبدأ رئيس هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات معالي الدكتور عبد العزيز الرويس بحديثه عن التوجهات الاستراتيجية لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات وبرنامج التحول الرقمي، وذكر في حديثه أبرز المستجدات في عالم الاتصالات وتقنية المعلومات كالحوسبة السحابية، إنترنت الأشياء، أمن الفضاء السيبراني، الذكاء الاصطناعي، والمدن الذكية، وأشار إلى أن جميع هذه الاستحداثات التقنية ستساعد الأفراد على الابتكار. ومن ثم تحدث رئيس الهيئة السابق معالي الدكتور عبدالرحمن الجعفري عن علاقة البحث والتطوير بالتنمية الاقتصادية، وشدد أن هدف الابتكار هو أن يعطى للإنسان حياةً كريمةً ليستطيع العيش في ظروفٍ متميزةٍ، و تطرق في حديثه إلى حصة الدول من سوق البحث والتطوير عالمياً، حيث أن ٤٨٪ من الإنفاق العالمي على البحث والتطوير يتم في أمريكا وأوروبا، و ٣٨٪ في شرق آسيا، و١٣٪ لباقي دول العالم، وأقل من ١٪ في الدول العربية للآسف! وفي ختام الجلسة تحدث الدكتور متعب بن عبد العزيز متعب عن ٣ مساراتٍ أساسيةٍ لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وهي: التقنيات ذات التنافس العالمي، التقنيات ذات الانفاق المحلي العالي، والتقنيات ذات الطابع الأمني والدفاعي، كما أشار في حديثه إلى البرامج التي تقدمها المدينة لدعم بيئة الابتكار وتتضمن: برنامج بادر لحاضنات التقنية لرفع قدرات الشركات الناشئة، مركز الابتكار للصناعة الرابعة لدعم المنشئات الصغيرة والمتوسطة، ومكتب البراءات السعودي لحفظ حقوق المخترعين.

الجلسة الصباحية الثانية كانت بعنوان “اقتصاديات الابتكار: المنشآت وخلق الفرص”، والتي أدارها معالي الوزير الأسبق للشؤون الخارجية والتعاون للمغرب معالي محمد بن عيسى، فعزز معالي الأستاذ أحمد الحميدان في بداية الجلسة على أهمية البيئة الحاضنة للابتكار ليكون النظام التعليمي قادراً على تجهيز الطفل للابتكار، ومن ثم قال معالي الدكتور غسان سليمان أن الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة تعتبر هيئةً ناشئةً، ولذلك تقوم الهيئة بمحاولة الاستفادة من التجارب العالمية لمؤسساتٍ مشابهةٍ ولقد تم بالفعل زيارة ١٨ دولةٍ حول العالم لتحقيق هذا الهدف، وشرح الدكتور غسان أن العامل المشترك هو التركيز على فئة ١٪ فقط من المؤسسات السريعة النمو والتي تكون مبنيةً على التقنية والابتكار، وأعلن عن إطلاق وزارة التجارة عن برنامجٍ لفتح الفرصة لرواد الأعمال غير السعوديين للعمل في المملكة.

بعدها قام رئيس مركز الملك فهد للأبحاث الطبية الدكتور أحمد العسكر بالحديث عن تنمية الاقتصاد عبر دعم الأبحاث الطبية، وأشار إلى أن ١٪ من الحصة السوقية من الأبحاث العلمية السريرية تعادل ١ مليار ريال سعودي، وأنها لو استغلت بالشكل الملائم لوفرت 10 آلاف وظيفةً جديدةً وعالجت 10 آلاف مريضٍ مجاناً. وتبعه عميد معهد ريادة الأعمال بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور وائل موسى بالتأكيد بأن الجامعات تتنافس لتحديث نماذج عملها لتواكب المنافسة العالمية واتجاهها للإبداع، وقال أن الابتكار يحتاج إلى الجمع بين عوامل عدةٍ، كعامل الجدوى، حس البقاء، وفهم الرغبة الانسانية. وتلاه المشرف العام على معهد ريادة الأعمال بجامعة الملك سعود الدكتور إبراهيم الحركان، فأشار إلى أن معهد الملك سلمان لريادة الأعمال لا يحد أنشطته في مجال الريادة فقط، ولكن يشمل مجالي الابتكار والملكية الفكرية، حيث حققت الجامعة حوالي 1000 براءة اختراعٍ أعطت الحياة لثلاث شركاتٍ حتى الآن.

تناولت الجلسة الثالثة موضوع “نحو الاندماج في الثورة الصناعية الرابعة”، وأدارها مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة معالي الدكتور حاتم المرزوقي، فأشار دكتور الذكاء الاصطناعي مازن مليباري للحاجة لتغيير المنظومة الفكرية في نطاق التعليم، فيجب مثلاً تعليم الأطفال كيفية استخدام الرياضيات لحل المشكلات وليس فقط تعليمهم عملية الحساب، وكذلك بالنسبة للبرمجة في حال كانت ستدخل في المناهج. وتبعه الرئيس التنفيذي لبرنامج بادر لحاضنات التقنية الأستاذ نواف الصحاف للحديث عن أبرز مخرجات برنامج بادر، فوضح أن هنالك ٢٥ شركةً متخرجةً، و ٩٦١ وظيفةً مولودةً، وتم دعم أكثر من ٢٠٠ رائد ورائدة أعمال. ومن ثم قامت الأستاذة ولاء النحاس بالإشارة إلى مهمة الوزارات في العملية الابتكارية، فاقترحت بناء قائمةٍ بالاحتياجات المحلية ونشر قائمةٍ بالأولويات لتصبح متاحةً للمواطنين، ما يُمكنهم من المشاركة في ابتكار الحلول. وأضاف من بعده الدكتور برنارد كارلسون أن أهم سؤالين يمكن طرحهم فيما يتعلق بالثورة الصناعية الرابعة هما: ما هي التكنولوجيا المناسبة التي ستؤدي إلى التغير؟ وكيف سيقوم رواد الأعمال بصناعة التغيير القادم؟

أدار مدير العام لمعهد الإدارة العامة معالي الدكتور مشبب القحطاني الجلسة الرابعة التي كانت بعنوان “الابتكار وممكنات الثروة الصناعية”، فبدأت الجلسة بتشديد النائب الأعلى لرئيس شركة أرامكو السعودية المهندس محمد السقاف على أن الايمان والثقة بالشباب السعودي ضروريان، وأنهم قادرون على تخطي الصعوبات ويملكون القدرة على التنافسية وتحقيق مراتب متقدمةٍ دولياً كما شهدنا في السنوات الماضية. ومن بعدها شرح الدكتور فؤاد العلمي بأن الثورة الصناعية الرابعة تقوم على أربع مقومات أساسية: مقوماتٍ رقميةٍ وهي التعاملات الالكترونية، ومقوماتٍ ماديةٍ وهي المركبات ذاتية القيادة، ومقومات أحيائيةٍ وهي التقنية الوراثية، وجمعها معاً يُشكلون الذكاء الاصطناعي. كما أشار رئيس قسم تقنية المعلومات في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية السيد جون لارسون أن الجامعة تسعى لتطوير أجهزة الحواسيب الخارقة في ترسانتها، وأن الجيل القادم سيكون اقوى من الحاسوب الموجود بألفين مرةٍ، كما أعلن لارسون أن الجامعة ستتيح إمكانية استخدام هذه المصادر والإمكانيات الهائلة للشركات السعودية الناشئة والباحثين مجاناً.

تناولت الجلسة الأخيرة من اليوم الثاني للملتقى عنوان “مُمكنات منظومات الابتكار” وأدارت الجلسة الدكتورة منيرة الغدير، فبدأ الأستاذ محمد بن معمر حديثه بقوله أن قطاع التشييد والبناء يعتبر من أكثر القطاعات تأخراً في مجال الابتكار لكوّن ٩٠٪ من ممارسات البناء قديمةً، مما يتطلب ويفسح المجال لثورةٍ إبداعيةٍ في المملكة لتصبح في المستقبل القريب رائدةً في المجال. ومن ثم تحدث عضو مجلس الشورى السابق الدكتور عبد العزيز الحرقان عن أنواع الابتكار وعناصر منظومة الابتكار، وشدد على أهمية مواكبة التنظيمات الحكومية لمتطلبات الأسواق، وأشار إلى أهمية وجود تشريعاتٍ حكوميةٍ مناسبةٍ لتحفيز الابتكار.

من الجدير بالذكر أن الجلسات تخللتها عدة محاضراتٍ، الأولى ألقاها رئيس منظمة ربيع سنغافورة السيد فيليب ييو، فتحدث عن دور رأس المال البشري وطرق استغلاله في الثورة المعرفية، فقال أن سنغافورة بلدٌ فقيرٌ بالموارد الطبيعية والبشرية، ما دفعها لمعاملة الدول المجاورة لها كمصدرٍ داعمٍ للابتكار عبر إعطاء مواطنيها التسهيلات الحكومية للإقامة والعمل في سنغافورة، ولقد أثبتت هذه السياسة نجاحها على مستوى العالم. وتحدثت أحد المحاضرات عن تجربة مركز الملك عبدالعزيز الثقافي (إثراء) التابع لأرامكو في مجال الابداع، فألقت رئيسة العلاقات العامة في إثراء الأستاذة إيمان زاهد محاضرةً تعريفيةً قصيرةً بالمركز وأنشطته وخطوات انتقال المركز من فكرةٍ إلى واقعٍ ملموسٍ، فقالت أن المركز يضم مكتبةً تحوي أكثر من 220 ألف كتاب، مسرحاً، ورش للصناع، وكامل المرافق التي يحتاجها المبدع السعودي ليصل إلى طاقاته الكامنة.

بهذا نصل لنهاية تقريرنا المختصر لفعاليات اليوم الأول والثاني من منتدى أسبار، وندعوكم لمتابعتنا غداً لنطلعكم على أهم فعاليات اليوم الثالث ولتعرفوا هوية الفائزين بمسابقة ابتكر واختراعاتهم المبهرة التي حققت أعلى المراتب.

السعودي العلمي

Comments are closed.